ما الفرق بين البراق والمعراج والرفرف الأخضر؟
----------
سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فى رحلته المباركة كان له ثلاث محطات:
المحطة الأولى: كانت من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وكانت الوسيلة التى وصل بها فى هذا المقام هى البراق أخذاً بالأسباب، فالله عزَّ وجلَّ يستطيع أن يعرج به ويُسرى به فى كل هذه المحطات بدون أسباب، ولكن الله من حكمته جعل فيها الأسباب لأن النبى صلى الله عليه وسلم قدوةً لنا، فأراد أن يعلمنا أننا لابد أن لا نتخلى عن الأسباب، بل نأخذ بالأسباب فى كل أمور حياتنا وكل ما يوصلنا إلى ربنا عزَّ وجلَّ.
فمعظم إخواننا حالياً يريدون أن يصلوا إلى الله، ولكن يريدون ذلك بدون سبب، يعنى فى لحظة يقول له: ها أنت وربك، أليس كذلك؟! فلا نريد أن نجاهد ولا نتعبد ولا نذكر ولا نفعل شيئاً، وكلنا يطمع فى ذلك، لكن فى ماذا يطمع؟ فى محال، لأنها تحتاج إلى الأسباب. ومعظم المسلمين يطمعون لأنهم يعتقدون أنهم طالما نطقوا: بــ ((لا إله إلا الله محمدٌ رسول الله))، فيقول هذا يكفينى لدخول الجنة، ولا يصلي ولا يصوم!! ... وهذا أيضاً يطمع فى محال، لكن لا بد من الأخذ بالأسباب.
المحطة الثانية: المعراج، والمعراج يعنى السُّلَّم الذى يركبه الإنسان ليصعد به إلى مكانٍ مرتفع، فعُرج به صلى الله عليه وسلم من بيت المقدس إلى السماوات، وكانت وسيلة الصعود بالمعراج.
والمعراج فيه أقوال كثيرة، لا يعلم حقيقتها إلا الله عزَّ وجلَّ، فالبعض يقول فيه: له أجنحة كأجنحة الملائكة، أو الملائكة كانت تحمله على أجنحتها، والبعض يقول: أنه مركب روحاني نوراني حمل رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، والمهم أنه أمرٌ لا يجب التحدث فيه، ولا نغلوا فى التحدث فيه، فالمعراج وسيلة انتقل به رسول الله صلى الله عليه وسلَّم من بيت المقدس إلى السماوات، فما شكلها وما هيئتها؟، (عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى) (52طه)
أنا عندما أُتعب ذهني وأكّدُّ عقلي في البحث عن ذلك، فبماذا يفيدنى ذلك؟!، بل إنه سيعطلني وسيعوقني في البحث عن ذلك، فهي معلومة لستُ فى أمَّس الحاجة إليها، ولا شديد الإحتياج لمعرفتها.
المحطة الثالثة: ثم لما وصل إلى سدرة المنتهى ووقف أمين الوحى جبريل، قيل: تدلَّى له الرفرف الأخضر، وزجَّه جبريل وحمله الرفرف إلى حيث لا حيث، إلى قاب قوسين أو أدنى: (فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى) (10النجم).
وكذلك نفس الأمر، هذا الرفرف الأخضر ما شكله؟ وما هيئته؟، هذه الأشياء لا تعقل هيئتها ولا شكلها ولا شيئاً عنها العقول الآدمية الجسمانية، ولذلك حجب الله معرفتها عنها لأنها لا تتحملها. من يستطع معرفتها؟ القلوب إذا طهُرت من العيوب، ودنت من حضرة علام الغيوب، وهذا ليس بكلامٍ مكتوب يقرأوه، وإنما كما قال الله: (إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ. وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ. كِتَابٌ مَّرْقُومٌ. يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ) (28: 30المطففين). فهو مقام شهود، وأهل هذا الشهود هل يستطيعون أن يعبروا عما شاهدوه بألفاظٍ توقيفية أرضية لأهل هذه العقول الأرضية؟ لا، هو يتمتع بها ولكنه لا يستطيع أن يُبيح بها.
فعندنا المعراج إلى السماوات، والرفرف إلى قاب قوسين أو أدنى، فهذه الوسائل التي حملت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن كان فى الحقيقة الذى حمله هو مولاه، وإنما هى وسائل وأسباب، وأن الله عزَّ وجلَّ في حكمته العلية اقتضت أن يكون لكل شيءٍ سبباً.
ولذلك الشيخ محي الدين بن العربي رضي الله عنه أيضاً يحكى على عهدته فيقول: إن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دنا منه البراق، أخذ البراق يرقص من شدة الفرح، فقال له سيدنا جبريل: مه يا براق، فلم يركبك أحدٌ أكرم على الله منه. ففهمها قومٌ بفهم، وفهمها أهل الله العارفون بفهمٍ آخر: يعني يحق لك يا براق أن ترقص لأن رسول الله سيركبك، فلم يركبه أحدٌ قبله مثله صلى الله عليه وسلم.
وقال: ما هذا يا أخى يا جبريل؟ قال: هذا براق العُشَّاق، وسفينة الوصل للإلتحاق، قال: أنا براقي شوقي، وزادي إليه توقي، وكيف يحمل مخلوقٌ ضعيفٌ مثل هذا من حمل الأمانة التى عجز عن حملها السماوات والأرض والجبال؟ فقال: يا محمد إنما أُرسل إليك على عادة الملوك، لأن الملوك إذا استزاروا حبيباً أو استدعوا قريباً، أرسلوا إليه أعزُّ خُدامهم وأخّصّ نوابهم لنقل أقدامهم، فجئناك على رسم عادة الملوك.
وهذا كل ما فى الأمر، الذى يحمل سيدنا رسول الله ويحمل الكل من؟ هو الله عزَّ وجلَّ، لكن هذا لعامل الأسباب، لأن الله عزَّ وجلَّ اقتضت حكمته أن يكون لكل شيءٍ سببٌ ظاهرٌ أو باطن.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم