كانت تتوفر في علي بن أبي طالب كل مواصفات القاضي الناجح وشروطه ، و مما يدل على ذلك اختيار النبي صلى الله عليه وسلم له ليكون قاضياً على اليمن وهو في عنفوان شبابه مع وفور عقل ورجاحة رأيه ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يختار إلا من كان قوياً أميناً و مع هذا ، يزوده بنصائحه و توجيهاته وارشاداته ، فقد قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يتوجه إلى اليمن : يا علي ، إذا جلس إليك الخصمان فلا تقض بينهما حتى تسمع من الآخر ما سمعت من الاول ، فإنك إذا فعلت ذلك تبين لك القضاء ، قال علي : فما اختلف علي قضاء بعد ، أو ما أشكل علي قضاء بعد وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقر علياً بن أبي طالب في قضائه على كثير من القضايا ، و منها ما رواه الإمام احمد في الفضائل عن علي بن أبي طالب قال : : بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى اليمن ، فانتهينا إلى قوم قد بنوا زبية للأسد ، فبينما هم كذلك يتدافعون إذ سقط رجل ، فتعلق بآخر ، ثم تعلق بآخر حتى صاروا فيها أربعة ، فجرحهم الأسد ، فانتدب له رجل بحربة فقتله ، وماتوا من جراحتهم كلهم . فقام أولياء الأول إلى أولياء الآخر ، فأخرجوا السلاح ليقتلوه ، فأتاهم علي - عليه السلام - على تفيئة ذلك ، فقال : تريدون أن تقاتلوا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - حي ، إني أقضي بينكم قضاء إن رضيتم فهو القضاء ، وإلا حجر بعضكم على بعض حتى تأتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فيكون الذي يقضي بينكم ، فمن عدا بعد ذلك فلا حق له . اجمعوا لي من قبائل الذين حفروا البئر ، ربع الدية ، وثلث الدية ، ونصف الدية ، والدية كاملة ، فللأول الربع لأنه هلك من فوقه ، والثاني ثلث الدية ، والثالث نصف الدية ، فأبوا أن يرضوا . فأتوا النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو قائم عند مقام إبراهيم فقصوا عليه القصة ، فقال : " أنا أقضي بينكم " . واحتبى ، فقال رجل من القوم : إنعليا قضى فينا فقصوا عليه القصة ، فأجازه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -